مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية


نص السؤال: هل الرياضيات في أصلها الأول صادرة عن العقل بالضرورة؟
يمكن أن يطرح السؤال الجدلي بالصيغة التالية :
إذا كنت أمام موقفين متعارضين أحدهما يرى أن الرياضيات في أصلها الأول ترجع إلى العقل و يرى الثاني أن الرياضيات في أصلها الأول ترجع إلى التجربة و كل منهما صحيح في سياقه فما عساك أن تفعل ؟
المقدمة: طرح المشكلة
تتميز الرياضيات عن باقي العلوم الأخرى في كونها تستمد موضوعها من التصورات الذهنية الإنشائية لقضايا مجردة تتعلق بالمقادير الكمية في حين ان العلوم الأخرى تقوم على وصف الأشياء الواقعية الحسية الموجودة فعلا.وهذا يجعل الرياضيات لا تبحث في موضوعاتها من حيث هي معطيات حسية بل من حيث هي رموز مجردة مجالها التصور العقل البحث فإذا كان مدار البحث الرياضي هو المفاهيم أو المعاني أو الرموز الرياضية ,فهل هذه المعاني أشياء ذهنية من ابتكار العقل لا غير ؟أو بمعنى أخر:هل الرياضيات إبداع عقلي خالص لا صلة لها بالتجربة الواقعية هل ترتد كلها إلى مدركاتنا الحسية , و إلى ما استخلصتاه من انطباع في أذهاننا من صور حسية ؟ أم تعود في حقيقتها كصناعة مجردة إلى العقل الخالص ؟ أليس للتجربة تأثير على وجودها ؟
التحليل:محاولة حل المشكلة
عرض الأطروحة الأولى
يرى اتجاه الأول ( العقليون) أن المفاهيم الرياضية أصلها العقل إذ أنه
بإمكاننا بلوغ اليقين بواسطة الاستدلال العقلي الخالص دون اللجوء إلى معطيات حسية
التبرير
.فطبيعة العقل بالذات يحتوي على مبادئ أولية أو أفكار فطرية سابقة للتجربة الحسية ميزته الأساسية البداهة و الوضوح, و بالتالي كل ما ينجر عن أحكام العقل في القضايا , يعد ضروريا و مطلقا ,وهكذا فعلم الإنسان منبعه الوحيد هو العقل ذاته . و ما يؤكد ذلك هو حصر موضوع الرياضيات في أنها جملة من المفاهيم الكمية المجردة , استنبطها الذهن من مبادئه الأولية دون الرجوع إلى الواقع الحسي .ففي الذهن توجد مبادئ قبلية سابقة للتجربة ,لتكون كأدوات في حصول المعرفة اليقينية.
فإذا تصفحنا مثلا تلك المعرفة اليقينية لا شك أنها تتصف بمميزات منها : المطلقية و الضرورة, و الكلية و هي مميزات خالصة تنفرد بها المعرفة الرياضية .وتتعذر في غيرها من العلوم التجريبية. ومن ثمة فإن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبلي,فهي بذلك تكون مستقلة تماما عن الإدراك الحسي القائم على التجربة الواقعية. و من المعاني الرياضية العقلية نرى منها : المكان الهندسي و الخط المستقيم و مفاهيم العدد و اللانهائي و الأكبر و الأصغر و غيرها , تدل دلالة قاطعة على أنها غير مستمدة من الملاحظة الحسية,بل صدرت من العقل وحده و من نتاجه الإبداعي.
و ممن دافع على هذا الاتجاه , هناك جملة من الفلاسفة أمثال أفلاطون (347-427 ق.م) , و الذي أعطى الأولوية للعقل الذي كان في نظره على علم بسائر الحقائق , و منها المعطيات الرياضية التي هي ثابتة و أزلية بمثل المستقيم و الدائرة و التعريف الرياضي , لكنه عند مفارقته لهذا العالم نسي أفكاره , فكان عليه أن يدركها بالذهن وحده .أما الفيلسوف الفرنسي ديكارت(1596-1650م), فيرى أن المعاني الرياضية, هي أفكار فطرية, تتميز بالبداهة و اليقين , حيث جعل العقل "أعدل قسمة بين الناس" نظرا لاشتراكهم جميعا في العمليات العقلية.
ويعد الفيلسوف الألماني كانط(1724-1804 م) القضايا الرياضية من جهته الدعامة الأساسية لكل معرفة حسية , بديل العلاقات الثابتة التي تتجلى بين الأشياء المحسوسة , باعتبار المكان و الزمان مفهومان مجردان طبيعتهما الأولية تجعلهما يتصفان بالضرورة المطلقة . فليست المفاهيم الرياضية في نظره مستمدة أصلا من التجربة الحسية , و إنما هي تجريدات مستقرة في الذهن قبل التجربة
النقد
,وإذا كان الأمر كذلك ,فهل هذا يعني لأن القضايا الرياضية هي بالفعل مستقلة عن المعطيات الحسية
لا يمكننا ان نقبل أن جميع المفاهيم الرياضية عقلية لأن الكثير من المفاهيم الرياضية لها ما يقابلها في عالم الحس .و تاريخ العلم يدل على أن الرياضيات و قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مراحل كلها تجريبية .فالهندسة سبقت الحساب و الجبر لأنها أقرب للتجربة
عرض الأطروحة الثانية
يرى الحسيون و التجربيون و على رأسهم "لوك وهيوم و ج .ستيوارت.مل"أن المبادئ و المفاهيم الرياضية قد نشأت من العالم الواقعي الذي هو مصدر المعرفة, و من ثم كانت المفاهيم العقلية صادرة من ادراكاتنا الحسية , فلا توجد غي نظرهم أفكار قبلية مستقلة عما تمده الخبرة و الممارسات و التجارب.
التبرير
و في هذا السياق يقولون (لا يوجد شيء في الذهن , ما لم يوجد من قبل في التجربة ) و يقولون أيضا( إن القضايا الرياضية التي هي من الأفكار المركبة ليست سوى مدركات بسيطة هي عبارة عن تعميمات , مصدرها التجربة) , و مثالهم في ذلك ,أن الطفل الصغير , يدرك العدد مثلا , كصفة للأشياء و أن الرجل البدائي يستخدم أثناء العد الحصى أو العيدان أو أصابع اليدين و غيرها.يقول دافيد هيوم (كل ما أعرفهقد استمدته من التجربة )ففكرة الدائرة جاءت من رؤية الإنسان للشمس و القرص جاءت من مشلهدة الإنسان للقمر .
فتاريخ العلم يقر بأن الرياضيات قد مرت بمرحلة تجريبية قبل ما تصبح علما عقليا موضوعها الكم المجرد , كالهندسة مثلا , فهي أقرب الى التجربة أكثر من الحساب و الجبر .
النقد
لا يمكننا أن نسلم أن المفاهيم الرياضية هي مفاهيم تجريبية فقط لأنه لا يمكننا أن ننكر الأفكار الفطرية التي يولد الإنسان مزودا بها . و إذا كانت المفاهيم الرياضية أصلها حسي محض لاشتلرك فيها الإنسان و الحيوان
التركيب
و عموما فأن العقل و التجربة مرتبطان و متلازمان , فلا وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية في غياب العالم الخارجي , و لا وجود للأشياء المحسوسة في غياب الوعي الإنساني و بمعزل عن العقل . و الحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشأ دفعة واحدة , و أن فعل التجربة أوجدته عوامل موضوعية حسية , و لكون الرياضيات هي صناعة مجردة فإن تاريخها يخبرنا بانصرافها عن المحسوس متجهة نحو الإغراق في التجريد أكثر فأكثر.
الخاتمة حل المشكلة
إن تعارض القولين لا يؤدي بالضرورة إلى رفعهما أي نفيهما إذ يبقى كل منهما صحيح في سياقه ، ويبقى أصل المفاهيم الرياضية هو تداخل و تكامل بين العقل و التجربة ، و لذلك يقول العالم السويسري غونزيت (في كل بناء تجريدي يوجد راسب حدسي يستحيل محوه و إزالته و ليست هناك معرفة عقلية خالصة ولا معرفة تجريبية خالصة بل كل ما هناك أن أحد الجانبين العقلي أو التجريبي يطغى على الآخر دون أن يلغيه تماما )

عزيزي التلميذ لقد حاولت أن أجمع بعض المعلومات التي معضمها موجودة في الكتاب المدرسي و بعضها من مصادر
أخرى حتى نركب هذا المقال بهذا الشكل إذا كان لديك أي استفسار تفضل و اكتب تعليقا و سأرد عليه بكل حب كما يمكنك أن تطلب مني أي موضوع تجد فيه صعوبة

طريقة الجدلية :هل المبادىء الرياضية مبادىء صادقة دوما ؟ "تابع

عزيزي التلميذ أهلا بك مجددا و إليك بقية المقال
التوسيع : محاولة حل المشكلة
عرض الأطروحة الأولى
يرى أنصار هذا الإتجاه و على رأسهم الفيبلسوف و الرياضي الفرنسي "رونيه ديكارت أن المبادىء في الرياضيات بديهيات و من ثمة فالمبادىء لازمة لكل رياضي حفاظا على اليقين الرياضي
التبرير
لقد ظل ديكارت معجبا بفكرة البداهة و جعلها من الأفكار الفطرية الخالدة و سعى جاهدا لتصور منهج في الفلسفة قائما على البداهة يقول ديكارت : "لا أقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا و عليه فمهمة الرياضي هي الإضافة و ليست إعادة النظر " أي إعادة النظر في الأسس و المبادىء الرياضية
يرى ديكارت أن الغاية من الإلتزام بمبادىء الرياضيات كما وضعها إقليدس هي ضمان اليقين للرياضيات
النقد
لقد حاول ديكارت الدفاع عن المبادىء الرياضية معتبرا إياها معايير قدمت مرة واحدة و إلى الأبد ، لذلك طالب بعدم إعادة النظر فيها لكن ثوابت الفكر الرياضي أصبحت غير قادرة على استيعاب جديد التفكير الرياضي إذ تاريخ الرياضيات و تطورها أثبت العكس
عرض الأطروحة الثانية
لقد بدأت إثارة أزمة اليقين الرياضي مع الفيلسوف ليبنيز حين اثار قضية مفادها أنه إذا كان البناء الرياضي هو الذي يقوم على مجموعة من المبادىء [واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان ] فلماذا نشكك في البناء الإقليدي إذا لم تكن مبادؤه ليست بديهية بالنعنى الفطري للكلمة بل هي مجرد قضايا افتراضية و لقيت ليت هذه القضية اهتماما كبيرا في القرن العشرين إذ لاحظ أنصار الرياضيات الأكسيومية أنه لاحرج من إعادة النظر في المبادىء الرياضية فليس هناك مبادىء ثابتة بل هناك أوليات و هي قضايا بسيطة لا نحكم عليها لا بالصدق ولا بالكذب بل مجرد منطلقات يحق للرياضي أن يضع منها ما يشاء
التبرير
لقد حاولا عالمان و هما الروسي لوباتشوفسكي و المجري ريمان تجاوز الهندسة الإقليدية بافتراضهما لمبادىء مخالفة لمبادىء إقليدس و أخذت المسلمة الخامسة لإقليدس مثالا على ذلك و التي مفادها " من نقطة خارج مستقيم لا يمر إلا موازىي واحد " فانطلق لوباتشوفسكي من نقيضتها و هي تقول من نقطة خارج مستقيم في فضاء مقعر يمكن رسم مالا نهاية من المستقيمات المتوازية " و توصل بذلك إلى إنشاء هندسة موازية لهندسة إقليدس أما الريمان فافترض من نقطة خارج مستقيم في فضلاء كروي لا يمكن رسم و لا موازي و هكذا نشأت الهندسات اللاأقلييدية و نشأت عنها مسلمات أخرى مثل مجموع زوايا المثلث لم يعد موازيا لزاويتين قائمتين بل أصبح أقل مع لوباتشوفسكي 135 درجة و أكثر مع ريمان 270درجة
و هكذا تكون لدينا نتائج مبرهن عليها ليست متناقضة و نكون أمام ثلاثة هندسات كل منها صحيح في مجاله
و تكون بذلك النتائج الرياضية نتائج نسبية و ليست مطلقة
النقد
إن رفض البديهيات ترتب عنه أزمة حادة في الرياضيات سميت بأوزمة اليقين الرياضي لكمن هذه الأزمة لم تنقضص من قيمة الرهندسة الأقليدية و لكن صحححت فكرة المطلق التي كانت تلاحقها
التركيب : المبادىء الرياضية و إن أثبت الرياضيلات الأكسيومية نسبيتها إلا أنها بقيت تكتسب تلك القيمة كونها المقدمات التي ينطلق منها الرياضي ليبني عليها برهنته وبذلك تبقى قيمتها واردة داخل النسق
الخاتمة حل المشكلة
في ظل الجدل السابق انتهنت الرياضيات إلى أن تعدد الأنساق أصبح حقيقة قائمة و ليس من حق أي كان أن يقيس نتائج نسق بآخر بل كل نسق يتوفر على اليقين طالما هناك تماسكا منطقيا بين النتائج و المقدمات ليصبح وضع الأوليات شرطا في الرياضيات المعاصرة و منه يمكننا القول أن المبادىء الرياضية ليست صادقة في جميع الأحوال برل صدقها مرتبط بنقها


تلميذي العزيز هذه محاولة للحل وليست الشكل النهائي فبامكتنك إضافة معلومات أخرى تتناسب مع الموضوع و إن كان لديك أي استفسار عن الموضوع أكتب تعليقا و اسأل ما شئت و سأجيبك بكل حب

الشريط السمعي لمقدمة مقالة الجدل لموضوع الرياضيات

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

أعزائي التلاميذ إليكم الشريط السمعي للتعليق على مفدمة السؤال الجدلي
هل المبادىء الرياضية مبادىء صادقة دوما ؟
و أعتذر عن التأخير





أو حمل الشريط من هنا

التدريب على الطريقة الجدلية

أعزائي التلاميذ سنتدرب في هذا الدرس على طريقة الجدل من خلال السؤال الذي طرحنا مسبقا
هل المبادىء الرياضية مبادىء صادقة دوما ؟
أولا : المقدمة
تتكون المقدمة من
1/ تمهيد نبرز فيه الإشكالية. ما معنى هذا؟ معناه أن الجدل لم ينشأ من فراغ و إنما هناك أمر ملََح أدى إلى نشوئه
الإشارة إلى الرياضيات كعلم تجريدي قائم على البرهان الإستنتاجي الذي ينطلق فيه الرياضي من مقدمات هي عبارة عن مبادىء يستند إليها لإقامة برهنته ليستنتج منها نتائج يعتبرها نتائج يقينية نسبة إلى يقين المبادىء هذا الإعتقاد الذي ظل سائدا مدة طويلة قدرت ب 23 قرنا إذن اليقين الرياضي مرتبط بيقين المبادىء و هنا نشأت مشكلة جديدة طرحها رياضيو العصر الحديث
2/الإشكال : هل فعلا المبادىء الرياضية مبادىء صادقة دوما؟ بمعنى آخر هل هناك ما يضمن يقين المبادىء الرياضية في كل الأحوال ؟

انتظر التعليق الصوتي في المساء لأشرح لك جيدا طبيعة المقدمة في الجدل من خلال هذا المثال






هدية لتلاميذتي الأعزاء







السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
عزيزي التلميذ
اتصل بي على الإيميل لتحصل على هدية رائعة فقط
اذكر اسمك و الشعبة و لن تندم
أستاذتك التي تطلع إلى نجاحك

هل تريد تعلم طرق معالجة المقال الفلسفي ، الجدلية ، الإستقصاء بالوضع ، الإستقصاء بالرفع ،تحليل النص ، المقارنة


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركلته
ماذا يحدث ؟ مرت 6 أيام على آخر موضوع نشرته و لم أجد ردا من تلاميذتي على الأسئلة أستغرب كيف أعرض عليك هذه الخدمة المجانية و لا تهتم أن يكون لك استاذا خاصا يهتم بتعليمك المقال الفلسفي و التدريب على الكتابة الفلسفية و تعرض عن الأمر شيء عجيب و غريب
عموما إذا كنت لا تعرف كيف تشارك اضغط على كلمة
تعليقات آخر كل موضوع فتفتح لك مساحة أكتب فيها تعليقك سؤال أو محاولة إجابة مع ذكر الإسم و الشعبة

و أنا بانتظار تدخلات كل التلاميذ

الرياضيات و المطلقية

فلسفة الرياضيات

ماهي أهم المحطات التي تعالجها هذه المشكلة ؟
هناك مشكلتين أساسيتين هما
الرياضيات بين النزعة العقلية و النزعة التجريبية -
المطلقية و النسبية في الرياضيات بمعنى هل النتائج الرياضية نتائج يقينية يقين مطلق أم يقين نسبي؟ -
بالنسبة للمشكلة الأولى لدينا جدل بين الـجاه العقلي الذي يرجع الرياضيات للعقل
والإتجاه التجريبي الذي يرجعها التجربة الحسية
فحاول الإجابة عن هذا السؤال و سنرى الإجابة لاحقا
المشكلة الثانية
حاول أن تعالج الأسئلة التالية :
1/هل المباديء الرياضية مباديءصادقة دوما ؟
2/ أثبت بالبرهان أن صدق النتائج الرياضية مرتبط فقط بمدى اتساق النتائج مع المقدمات
3/ أبطل الأطروحة التالية : صدق النتائج الرياضية مترتب على صدق المقدمات
حول أن تتمرن على طريقة الجدل و الإستقصاء بالوضع و الإستقصاء بالرفع حاول و تابعنا في الأيام القليلة اللاحقة و سنعالج هذه الطرق بطريقة عملية ومع الوقوف على محطات كل واحدة منها بالتفصيل
و لاتنسى عزيزي التلميذ أن تشاركنا من خلال إضافة تعليق عن الموضوع ممكن يكون في شكل سؤال أو استفسار و حتى عرض وجيز عن العمل المطلوب و سنقوم بتقييمه
و أرجو العمل والمشاركة مع ذكر الشعبة و المدينة