هل يمكن دراسة الظاهرة التاريخية دراسة تجريبية ؟
لقد
استطاع المنهج التجريبي تحقيق نجاح باهر في العلوم التجربيةو (كالفيزياء و
الكيمياء ) و العلوم البيولوجية رغم ما واجه البيولوجيين من عوائق إلا أنهم
استطاعلوا تجاوزها فقد استطاع هذا المنهج كشف ظواهر الكون و السيطرة عليها ، بعد أن
تخلَص من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية قبل عصر النهضة . في هذه الأجواء المفحمة
بالإكتشافات العلمية أراد علماء الظواهر الإنسانية التي تهتم بدراسة مواقف الإنسان
و أنماط سلوكه في ابعاده المختلفة ، و منها التاريخية ـ بحث في أحوال البشر الماضية في وقائعهم وأحداثهم وظواهر حياتهم ـ تطبيق هذا المنهج على هده الظواهر رغم ما تتميَز به من خصائص تختلف تماما عن
خصائص الظاهرة الطبيعية الأمر الذي أثار جدلا كبيرا في اوساط العلماء و المؤرخين ،
حيث رفض البعض إمكانية تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة التاريخية و أنه لا يمكن
للتاريخ أن يأخذ مقعدا بين العلوم الأخرى .و بالمقابل هناك من رأى أن الدراسة
التجريبية ممكنة في الدراسات التاريخية ، أمام هذا الوضع نطرح الإشكال التالي : هل
خصوصية الظاهرة التاريخية تمثل عائفا أمام تطبيق مقياس التجربة أم أن المؤرخيين
استطاعوا تجاوز تلك العوائق رغم اختلاف الظاهرة التاريخية عن الظاهرة الطبيعية و
تحقيق الدراسة التجريبية ؟
محاولة حل المشكلة
يذهب بعض المفكرين إلى أنه لا يمكن تطبيق
المنهج التجريبي على الظاهرة التاريخية ، وبذلك لا يمكن للتاريخ أن يأخذ مقذعدا
بين العلوم الأخرى ،لأن الظاهرة التاريخية
تتمييَزبخصائص تلعب دور العائق أمام الدراسة العلمية منها : إنها حادثة ذات سمة فردية ، تجري في زمن محدد ومكان اجتماعي
معين ؛
ولا تتكرر لأن
الزمن الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ، والإطار الاجتماعي الذي اكتنفها لا يبقى هو
نفسه وهكذا فالحتمية التي تعتبَر مبدأ أساسيا
في علوم المادة ، والتي تقتضي أن نفس الأسباب تصنع نفس النتائج ، لا تنطبق على التاريخ ما دامت
حوادثه تمضي ولا تعود ويترتب على ذاك ، أنها غير قابلة لأن تعاد مرة جديدة بطرق اصطناعية،أي
يستحسل التجريب عليها ومنه فهي غير قابلة للتكميم أي التفدير الكمي في شكل قانون يعبَر عن علاقة
سببية . كما أن المؤرخ لا يمكنه التأكد من صحة افتراضه عن طريق التجربة العملية ما
دامت غير ممكنة .فمثلا المؤرخ لا يستطيع
، أن يحدث حربا " تجريبية " حتى يتحقق من فرضيته .و نتيجة بكل ذلك لا يمكن التنبؤ بمستقبل الحادث.
أيضا انفلاتها من الدراسة
الموضوعية النزيهية ، لأن المؤرخ إنسان ينتسب إلى عصر معين ومجتمع معين . فهو لا يستطيع
ـ على الرغم من اجتهاده في أن يكون موضوعيا ـ أن يكتب التاريخ إلا طبقا للواقع الذي
يحياه . فيعيشه من خلال قيمه واهتماماته وتربيته . فالمواطن الجزائري مثلا ، الذي يكتب
عن تاريخ فرنسا قبل (1962) ليس هو المواطن الجزائري الذي يكتب عنه بعد هذا التاريخ
، /
ذلك لأن الماضي يعاد بناء معطياته تبعا لمقتضيات الحاضر .
:مناقشة
إن هذه الإعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية إذ فعلا الخصائص التي تتميَز بها الظاهرة التاريخية لا تتناسب مع المنهج التجريبي ، لكن لا يجب أن تقيَد بالمفهوم الضيَق للمنهج التجريبي إذ يمكن أن نقيم دراسة تجريبية بمفهوم أوسع للتجربة مفهوم يتناسب و خصوصية الظاهرة التاريخية ن و منه هذا الإعتراض لا يجب أن نفهم منه الرفض القاطع لعلمية التاريخ فقد استطاع المؤرخون تجاوز هذه العوائق من خلال إيجاد منهج يتناسب مع الظاهرة التاريخية من جهة و يحقق الدراسة العلمية من
جهة أخرى
عرض منطق الأطروحة النقيضة و مسلماتها
ذلك لأن الماضي يعاد بناء معطياته تبعا لمقتضيات الحاضر .
:مناقشة
إن هذه الإعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية إذ فعلا الخصائص التي تتميَز بها الظاهرة التاريخية لا تتناسب مع المنهج التجريبي ، لكن لا يجب أن تقيَد بالمفهوم الضيَق للمنهج التجريبي إذ يمكن أن نقيم دراسة تجريبية بمفهوم أوسع للتجربة مفهوم يتناسب و خصوصية الظاهرة التاريخية ن و منه هذا الإعتراض لا يجب أن نفهم منه الرفض القاطع لعلمية التاريخ فقد استطاع المؤرخون تجاوز هذه العوائق من خلال إيجاد منهج يتناسب مع الظاهرة التاريخية من جهة و يحقق الدراسة العلمية من
جهة أخرى
عرض منطق الأطروحة النقيضة و مسلماتها
يذهب بعض
المفكرين إلى أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظاهرة التاريخية ، وبذلك لا
يمكن للتاريخ أن يأخذ مقذعدا بين العلوم الأخرى ،لأن الظاهرة التاريخية تتمييَزبخصائص تلعب دور العائق أمام
الدراسة العلمية منها :
إنها حادثة
ذات سمة فردية ، تجري في زمن محدد ومكان اجتماعي معين ؛
ولا تتكرر لأن
الزمن الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ، والإطار الاجتماعي الذي اكتنفها لا يبقى هو
نفسه وهكذا فالحتمية التي تعتبَر مبدأ أساسيا
في علوم المادة ، والتي تقتضي أن نفس الأسباب تصنع نفس النتائج ، لا تنطبق على التاريخ ما دامت
حوادثه تمضي ولا تعود ويترتب على ذاك ، أنها غير قابلة لأن تعاد مرة جديدة بطرق اصطناعية،أي
يستحسل التجريب عليها ومنه فهي غير قابلة للتكميم أي التفدير الكمي في شكل قانون يعبَر عن علاقة
سببية . كما أن المؤرخ لا يمكنه التأكد من صحة افتراضه عن طريق التجربة العملية ما
دامت غير ممكنة .فمثلا المؤرخ لا يستطيع ، أن يحدث حربا " تجريبية
" حتى يتحقق من فرضيته .و نتيجة بكل ذلك لا يمكن التنبؤ بمستقبل الحادث.
أيضا انفلاتها من الدراسة
الموضوعية النزيهية ، لأن المؤرخ إنسان ينتسب إلى عصر معين ومجتمع معين . فهو لا يستطيع
ـ على الرغم من اجتهاده في أن يكون موضوعيا ـ أن يكتب التاريخ إلا طبقا للواقع الذي
يحياه . فيعيشه من خلال قيمه واهتماماته وتربيته . فالمواطن الجزائري مثلا ، الذي يكتب
عن تاريخ فرنسا قبل (1962) ليس هو المواطن الجزائري الذي يكتب عنه بعد هذا التاريخ
، ذلك لأن الماضي يعاد بناء معطياته تبعا لمقتضيات الحاضر
مناقشة :
إن هذه
الإعتراضات لها ما يبررها من الناحية العلمية إذ فعلا الخصائص التي تتميَز بها
الظاهرة التاريخية لا تتناسب مع المنهج التجريبي ، لكن لا يجب أن تقيَد بالمفهوم
الضيَق للمنهج التجريبي إذ يمكن أن نقيم دراسة تجريبية بمفهوم أوسع للتجربة مفهوم
يتناسب و خصوصية الظاهرة التاريخية ن و منه هذا الإعتراض لا يجب أن نفهم منه الرفض
القاطع لعلمية التاريخ فقد استطاع المؤرخون تجاوز هذه العوائق من خلال إيجاد منهج
يتناسب مع الظاهرة التاريخية من جهة و
يحقق الدراسة العلمية من جهة أخرى .
عرض منطق
الأطروحة النقيضة و مسلماتها
يرى بعض
المؤرخين ان الظاهرة التاريخية يمكن
دراستها دراسة تجريبية بمعنى يمكن تطبيق مقياس التجربة عليها ، و منه يمكن للتاريخ
أن يأخذ مقعدا بين العلوم الأخرى ، وذلك من خلال تذليل العقبات ، و يعود الفضل في
ذلك إلى العلامة عبد الرحمن ابن خلدون ومن
أعقبه بعد فترة من الأوروبيين أمثال أرنست رينان ، تين ، فوستال دي كولانج ،
انطلاقا من القرن التاسع عشر ، وكان أول مبدا انطلقوا منه هو احترام خصوصية الظاهرة التاريخية ن حيث
توصلوا إلى إيجاد منهج جديد يتناسب مع الظاهرة التاريخية و في نفس الوقت يحقق
الدراسة العلمية التي يطمح إليها المؤرخون . و يتمثل هذا المنهج فيما
يلي : أولا
جمع المصادر و الوثائق فبعد اختيار الموضوع يبدأ المؤرخ في جمع الوثائق و الأثار
المتبقية عن الحادث إذ هي السبيل الوحيد لمعرفة الماضي ، و في هذا الصدد يقول
" سنيوبوس" : (( لا وجود للتاريخ دون وثائق ، و كل عصر ضاعت وثائقه يظل
مجهولا إلى الأبد )) و هي تنقسم إلى قسمين
مصادر غير إرادية و هي التي لم يتدخل قصد أو نيَة في صناعتها كالأبنية الأثرية
و النقود و الأسلحة .....إلخ ن و هناك
مصادر إرادية و هي التي احتفظ بها الناس قصد التأريخ . و هكذا يستطيع المؤرخ أن
يلاحظ الظاهرة التاريخية من خلال هذه الوثائق .
ثانيا تأتي
مرحلة التحقق من صدق هذه المصادر و ما مدى موضوعيتها إذ سيقوم المؤرخ باختبار
الوثائق و هذا ما يعادل التجربة كمرحلة للتحقق . و هذا العمل يكون من خلال النقد
الخارجي و يتناول فيه المؤرخ شكل الوثيقة كفحصه لنوع الورق أو الحبر و نوع الخط .
أما إذا كانت المصادر نقودا أو سلاحا فيفحص نوع المعدن ، فإذا ثبت صحة الوثيقة
شكلا ، ذهب إلى النقد الداخلي حيث يختبر مضمون الوثيقة فيتحقق ممَا ورد في المصادر
هل يتماشى و عقلية العصر الذي ينتسب إليه ، و لا يخرج عن إطار الحوادث التاريخية
الأخرى . أي البحث في معقولية الخبر و هذا ما سماه ابن خلدون مقولية الخبر بمطابقة
الخبر بطبيعة العمران البشري ، كم يقوم المؤرخ أيضا بتفحص نفسية الراوي من خلال
التعديل و اتجريح ، حتى يتحقق من نزاهة الراوي . و أخيرا ـأتي مرحلة بناء الحادثة
التاريخية فيِؤلف بين أجزائها و يرتبها حسب تسلسلها الزمني ن و يدرجها مع سلسلة
الأحداث الأخرى و أثناء هذه المرحلة قد يعترض المؤرخ فجوات فيلجأ إلى خياله ليفترض
تلك الحلقة ابمفقودة لكن الفرضية هنا لا بد أن تتناسب مع الحدث التاريخي ، و لا
تكون بعيدة عنه .
و هكذا
نلاحظ أن المنهج الإستقرائي في التاريخ يعتمد على الملاحظة و التجربة و الفرضية من
أجل كتابة تاريخية موضوعية .
مناقشة :
مما لا شك
فيه أن علم التاريخ قد تجاوز الكثير من العقبات التي كانت تعوقه ن و تعطله ن لكن
رغم ما وصلت إليه الدراسات التاريخية لا يمكن أن تطابق نتائج الدراسات التجريبية
في علوم المادة ، فالمنهج الإستقرائي في التاريخ وإن يعود له الفضل بالإرتقاء بالتاريخ من مستوى منهج الرواية
غلى مستوى منهج الدراية إلا أن نتائجه لا ترقى إلى نتائج العلوم التجريبية.
التركيب :
إن للحادثة
التاريخية مميَزاتها الخاصة بها مثلما للظاهرة الجامدة مميَزاتها و هذا يستدعي
إختلافا في المنهج و هكذا فالتاريخ علم من نوع خاض لا هو بالعلم الإستنتاجي
كالرياضيات و لا هو بالعلم الإستقرائيكالفيزياء
و الكيمياء ، و إنما هو علم يبحث في الوسائل العلمية التي تمكنضه في فهم الماضي و
تفسيره و الإعتبار منه للرؤية الحاضر و المستقبل . و هكذا فالقول بأن التاريخ لا
يعتبر علما لأنه يدرس حوادث لا تتوفر على شروط العلم أمر مبالغ فيهكم ان القول أن
التاريخ علم دقيق أمر مبالغ فيه أيضا ، و عليه فإن الحوادث التاريخية ذات طبيعة
خاصة مما تستوجب منهجا خاصا ن و بذلك فالتاريخ له موضوعا خاصا و منهجا خاصا يتفق
مع كبيعة موضوعه ن و هذا يؤهله ب
ان يكون
جديرا بأخذ مقعدا بين العلوم الأخرى .
الخاتمة :
إن تتبعنا
لمسار الدراسات التاريخية بدءً من العوائق التي واجهت المؤرخ إلى تجاوزها و نقل
التاريخ من مستوى إلى مستوى آخر أكثر موضوعه و أكثر عقلانية يجعلنا نشهد بقيمة هذا
العلم الذي فتح الأبواب للإطلاع على العلوم الأخلاى ، و أنشأ علاقات متينة مع
مختلغها . كما سمح للمؤرخين من ربط سائر الأحداث التاريخية في وحدة شاملة فيصل
الأجزاء يمجموعاتها و يخلع عليها صفة العقلانية التي تناسبها .
و هذا يعني
أن التاريخ يعي أن مهمته لا تنحصر في سبر أغوار الأحداث الجزئية ، و التفصيلية ، و
إنما يطمح إلى بلوغ المنطق العام الذي يحرك هذه الأحداث . و أما العلمية فتتوقف
على مدى إلتزام المؤرخين بالشروط الأساسية للعلوم ، وخاصة الموضوعية .
يمكنك تحميل نسخة من المقال من هذا الرابط
http://adf.ly/gZvve
يمكنك تحميل نسخة من المقال من هذا الرابط
http://adf.ly/gZvve
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق